الجمعة، 27 أبريل 2012

يا ليت الموسيقى تعود يومًا!

Jam Session 3 by Midori Furze -link
كنتُ قد كتبت قديمًا عن الموسيقى الشعبية المغربية وكيف أنها منوم مغناطيسي تجعل المغاربة في سبات فكري عام. أخطأت في الفكرة وفي الوصف، الموسيقى الشعبية ليست منومًا مغناطيسيًا بل هي تراث فني مهم يزخر به بلادنا المغرب، لكن المشكلة في الدولة ووسائل الإعلام التي تشجع على المحتوى الراكد الجامد.

بدأت الحديث عن الموسيقى الشعبية وتصحيح ما بدر مني سابقًا لأمهّد لفكرة أهم. في زمننا الحالي، أضحت الموسيقى المنتشرة في المجال العام، الـMainstream عبارة عن مجموعة من الكلمات ذات المحتوى المعاد تكراره والإيقاعات المعاد تدويرها والمنسقة في مدة زمنية متوسطها 3 دقائق، يقدمونها لنا بوجه أحمر (افتخار) كمن اكتشف سر الأثير الموسيقي السرمدي.

شخصيًا، لا أحب كثيرًا ولا أهتم بالموسيقى المنتشرة في المجال العام يقدر ما أحب الموسيقى المرتجلة أو ما يصطلح عليها بالإنجلزية، الـJam Sessions. أقصد أن الموسيقى المنتشرة حاليًا لا تعدو كونها مجموعة من الأصوات الممزوجة الهدف منها هو إنتاج مدخول وتصريف نقود لصانعيها اشباعًا لثقافة القطيع -المجال العام-، لا غير. الموسيقى هي تعبير عن المكنونات وعيش في اللحظة التي تغني فيها وليس مجموعة من الإيقاعات الباردة برودة الحديد الصدئ. في زمن ليس ببعيد، كانت أغلب المقاطع الموسيقية والحفلات الغنائية المغربية منها إن لم أقل العالمية تتسم ببعض من الإرتجالية مما يجعل الجمهور يتفاعل مع الموسيقى لحظيًا عكس استماعه لمقطع مكرر مئات المرات هنا وهناك. فمثلاً، كان الفرق عندما تريد بداية غناء أغنية ما، تبدأ بالتمهيد لها ببعض الإيقاعات والألحان والإمتزاجات الموسيقية الجميلة قد تمتد في بعض الأحيان لأكثر من عشر دقائق، ثم يدخلون بعد الإحماء في صلب الأغنية وهم في نشاط واستعداد لتقديمها بجوارحهم وليس صوتهم فقط. أفتقد كثيرًا لذلك النوع الموسيقي التقليدي الحر، لذلك أنا أحب أغاني الخمسينات، الستينات والسبعينات، الثمانينات وبعضا من التسعينات، المغربية منها والعالمية، ثم الموسيقى المحلية الخاصة بشعوب العالم والمنطقة العربية والصحراوية، لما تتسم به من نغم مرتبط بالطبيعة التي أنتجت ذلك اللون الغنائي والموسيقي بعيدًا عن التكلف.

يا ليت الموسيقى تعود يومًا!

الثلاثاء، 24 أبريل 2012

في ذكرى الزي المغربي التقليدي

 وجدت نفسي قبل بضعة أيام أغرّد عن كيف يتشبث السعوديون والإماراتيون وكافة شعوب الخليج بزيهم المحلي وكيف أنه يضفي طابعًا مميزًا ورونقًا فلّ نظيره مع تفشي العولمة، على عكسنا نحن المغاربة الذين انسلخنا عن تراثنا المحلي فما بقي منه أصبح يعرض في المهراجانات الفلكلورية فقط، على سبيل إظهاره للسياح لا غير.

آخر ذكرى أتذكرها عن شخص يلبس الزي المغربي في حياته اليومية خال أبي، السّي العربي رحمه الله لا ينفك يطوي الطريق بين منزله والمسجد الذي كان يؤذن فيه والزي المغربي رفيقه، وعم أبي، مولاي السّي مهدي، رحمه الله، يروح بجلبابه، بَلغَتِه وطربوشه الأحمر، لا يفارقهم أبدًا إلى أن وافتهما المنية.

 @moriscbandoler
لا أدري عن سبب اعراضنا عن لباسنا المحلي. أهوَ من سلبيات العوملة والانفتاح على جميع المشارب مما جعل شبابنا يحتار بين هم ونحن، فما عاد لباسنا إلا ذكرى يتم رسمها هنا وهناك؟ أم للأمر علاقة بالواقع الحاضر من الاستعمار الثقافي الفرنكفوني المتفشي في شريحة لا يستهان بها من المغاربة؟
في ماض قريب، أيام الإستعمار الفرنسي للمغرب، كان المغاربة من أعيان الدولة يلبسون البذلة، نعم، لكن محتفظين بالطربوش الأحمر، مثل الباشوات، وهوَ ما أعتب عليهم اليوم إذ نسوا ذلك الطربوش وتغرّبوا مع استفحال جذور الإستعمار التي سلبت هويتنا وتركت الأطلال دامعة.

امرأة صحراوية ترتدي الملحفة و صحراوي يرتدي «الدراعة» («الشرق الأوسط»)
أما حاليًا، فإني أستغرب من الزي الشرعي الذي تتخذه بعض النساء المغربيات حيث التزامهم بالدين، إذ يلبسن العباية السوداء، البرقع أو النقاب، وهي ألبسة غريبة عن التراث المغربي الذي يقدم بديلاً يوافق المواصفات الشرعية الإسلامية، لكنه يحافظ على الطابع المحلي المغربي، كزيّا الحايك واللثام المغربي، الذي كانت تلبسه جدّاتنا رحمهن الله. أما بالنسبة للذكور، فالبديل في الزي المغربي الرجالي متوفر عوض الثوب المشرقي أو الأفغاني، والبديل بدوره متوافق مع المواصفات الشرعية الإسلامية.

حسب ما تعاينه عيناي، آخر من احتفظ على تراثه من المغاربة هم الصحراويين، حيث نجدهم يجولون في جامعات العاصمة الرباط بزيهم الصحراوي، كأنهم يدرون أنه رمز عزّتهم وتميزهم. كم أتمنى لو يحذ قومي، حذو الصجراويين من المغاربة ويلبسوا العمامة التقليدية أو الطربوش الأحمر والجلاّبة المغربية والسلهام وسروال قندريسة وغيرهم من الأزياء والألبسة التقليدية المغربية، الجميلة والأصيلة الضاربة جذورها في مجد الهوية المغربية التي يتصارع عليها ثلة من المستغربين في وطني.

الاثنين، 23 أبريل 2012

في وجوب انتقاد الخلف لأخطاء السلف

يتحدث الدكتور طارق الحبيب، وهو استشاري في طب النفس، في مداخلته في إحدى القنوات التلفزية عن الربيع العربي، مبررًا سوء العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بقوله أن أغلب المصائب والجوائح السياسية الحاصلة في بلاد العرب سببها بني أمية (الأمويون) وبني العباس (العباسيون). وقوله صحيح، إذ يذكر التاريخ ما استحلوه تحت اسم الخلافة الإسلامية.



طارق الحبيب : كل مصائبنا بسبب بني أمية وبني العباس


يجعل الدكتور العلة في السلف لتبرير تصرفات الخلف، وهو تبرير ينافي المنطق السليم إن افترضنا أن الإنسان ذو عقل وفكر يقرر طريقة تدبيره للحياة مستقلاً عن سابقيه. ويدندن في هذا الصدد، ناس الغيوان، الذين لا علاقة لهم بالأمر لا من بعيد ولا من قريب، سوى أن بعض كلمات أغانيهم فاجأت ذهني وأنا أشاهد المشهد.

يقول ناس الغيوان في بضع نُغَيمات أن "الماضي فات"، فما فعله السلف لا يستلزم من الخلف اتباعه ضرورة أو تقليده إن اعتبرنا وجود عقل يفكر ويسأل وينتقد ويميز بين الفاسد والصالح من الأمر، فـ"الماضي فات، يا الشاغل بيه بالك، مات". تبرير طريقة الخلف في الحكم، أي الحكام العرب الحاليين بطريقة الخلف، تبرير في غير محله، ويقول فيه علي بن أبي طالب: "إن الفتى من يقول ها أنذا *** ليس الفتى من قال كان أبي". ويقول عز من قائل في سورة الزخرف، (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون (22) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون (24)).

على قول ناس الغيوان أن "دوام الحال من المحال"، أعلن ختام هذه التدوينة مبشرًا الأمة بأن لها واسع النظر في قضية الحرية.

الجمعة، 20 أبريل 2012

جمعة الربيع

(1)
مشيًا على خطى المدون عبد الله المهيري، الذي قرر أن ينشر في أيام الجمعة ما تراكم من الأفكار التي تحوي مجموعة من الخواطر والمعلومات المختلفة، التي يكفي ذكرها في بضع أسطر دون إسهاب في تدوينة طويلة. سأعتبر هذه أولى التدوينات من سلسلة الجمعات. العجيب أن الإسم، يوم "الجمعة" يعبر بمعناه ببساطة عن محتوى التدوينات، إذ هنا تُجمع مختلف الأفكار وتُنشر في يوم الجمعة التي هيَ عيد المسلمين كما تسمى في التراث الإسلامي.

(2)
المُلاحظ والعجيب في من يراقب تحركات وجديد وآخر صيحات الألعاب الإلكترونية، يجد أن الألعاب بسيطة الفكرة والتكلفة والتي لا تتطلب مهارات ذهنية كبيرة مثل سابقاتها من الألعاب، في العصر الذي أسميه العصر الذهبي للألعاب الإلكترونية، الألعاب ثنائية البعد قبل حلول الألفية الثالثة. إن كنت مهتما بآخر أخبار التقنية، ستكون قد لاحظتَ بلا شك أن لعبة الطيور الغاضبة، Angry Birds قد احتلّت العالم بدهاء كبير، وهي اللعبة البسيطة التي تم إنشاء الكثير من مثيلاتها سابقًا دون أن تحظى بنفس القدر من الرواج.

أعتقد أن سبب انتشارها عالميًا يرجع أصله لعقلية مستخدم التقنية الحديث، حيث أصبحت الأشياء سريعة الإنجاز بسيطة التعامل هي المفضلة عند جمهور الأنترنت الجديدة، وبما أن لبعة الطيور الغاضبة توافق تلك المعايير، فقد حظيت بالإعجاب. والسبب الثاني هوَ حملة الإشهار المنسقة التي نُظّمَت للعبة، ثم الرسومات والمشاهد والتأثيرات التي تحويها اللعبة، منحتها هي الأخرى شعبية لدى الناس، لأن الإنسان كائن صوري، يحب الصورة الحية أكثر من الرسومات الجامدة، وهو سبب آخر أدى إلى نجاحها عكس سابقيها من الألعاب ذوي نفس الفكرة.

(3)
 بدأت مدونتي المختصصة تكسب بعضًا من الشعبية الأولية رغم أنها ما زالت في بداياتها. المشكل الذي أصادفه في تحديثي لمحتوياتها هو أني لم أخصصها تخصيصًا دقيقًا كالفيزياء أو علم من العلوم المختلفة، بل أتى في ذهني عنوان "هل تعلم؟" الذي كان يضيف بعض المعلومات المختلفة أسفل صفحات مجلد ماجد، الشيء الذي عكس محتواها. إنشاء مدونة دون هدف، أو دون تخصص معين أو خط تحريري محدد إن كان ينوي نشر مدونة متخصصة عبارة عن خطأ منهجي وقعتُ فيه مما أدى إلى تشتيت الأفكار، فما عدت أميز الشريحة المستهدفة من الشريحة العامة لأقدم لها ما يناسبها من المعلومات. لا أدري كيف أتدارك الأمر قبل فواته، قد أغير من اسمها ليُصبح "لحظة علم" تيمنًا بمدونة "ساعة علم

(4)
سمعت قبيل أذان المغرب صوت عصفور يزقزق بشكل غريب، اعتقدت أنه صوت كتكوت يصدر من أحد المنازل، وإذ هوَ عصفور يستعد للتزاوج مع عصفورة فوق أحد الأسلاك الكهربائي. لقد حلّ فصل الربيع حسب التوقيت الرسمي للطبيعة، فمرحبًا به.

(5)
إن كانت الصورة ذات تعبير بعادل ألف كلمة، فالصورة أسفله تعبر عن حال الاهتمام الطرق الخاصة بوسائل النقل غير السيارات والشاحنات، في المغرب.

ممر خاص بالدراجات الهوائية، في المغرب

الخميس، 19 أبريل 2012

رواية: حكومة الظل


لا تدري معالم القصة حين قراءتك لأولى صفحات رواية "حكومة الظل" للدكتور منذر القباني إذ ينتقل بك الكاتب من مشهد لمشهد، والفرق بينهما شاسع. فالأول عن سعودي يزور المغرب والثاني عن مصري في كندا، لتتلاحم الأحداث والمشاهد مع استرسال الوُريقات.

عادة القصص أنها تبدأ مملة وتنتهي بفائدة، غير أن هذه القصة، شدتني من بدايتها وما زلت لا أدري كيف ذلك، فمن جملة لجملة وبين تسارع الأحداث تحصل فائدة تجول بين الفلسفة والفكر والسياسة والتاريخ والحكمة تنساب بين الكلمات. يتناول الكاتب مختلف القضايا في بضع كلمات، بمزيج جميل. يتبادل الأدوار بين مختلف الشخصيات المتبيانة الطبائع والأفكار ليصل ليوضع لنا بعض من معالم اللغز، دون أن يكشف الغطاء عن كل شيء، تاركًا الفرصة للقارئ لإعمال عقله وحبك استنتاجاته.

أكثر ما شدني هوَ تناول الكاتب الجميل للقصة في سرده للأحداث في المغرب، وعدم إهماله لأدق التفاصيل التي تؤثت مشهد الديكور التقليدي المغربي.

مشهد من الرواية يتحدث عن بداية انهيار الدولة العثمانية (عماد الرواية)، مشبهًا إياها بدولة الأندلس إبان سقوطها:

____________
  بدأ خليل الوزان يتأمل جناحه الفاخر المكون من غرفة نوم وسيعة تكفي عائلة بكاملها، ملحقة بصالة استقبل ضعف حجم غرفة النوم، مفروشة بأجود أطقم الكنب الإيطالي والسجاد العجمي. استغرب خليل من هذا الترف الذي يكفي لسد حاجة جميع فقراء المدينة المنورة بل وقد يفيض منه لفقراء مكة أيضًا، ثم تنهد تنهيدة أسى على حال ديرته المليئة بالفقر والجوع وهو يرى رغد العيش في عاصمة الخلافة التي تحيا حياة لم يشهدها الحجاز منذ زمن بعيد. وتذكر في هذه اللحظة أبيات الشاعر أبو الطيب الرندي إبان سقوط مدن الأندلس الواحدة تلو الأخرى:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
                                        فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
                                        من سره زمن ساءته أزمان
ثم أخد يحادث نفسه كيف تبدل حال المسلمين ووصل بهم الحال إلى هذا التقهقر الملحوظ. فدول المغرب العربي أصبحت تحت السيطرة الفرنسية، ومصر تحت السيطرة البريطانية، روسيا قد مزقت أغلب ولايات وسط آسيا من الدولة العثمانية، كما أن الكثير من ولايات شرق أوروب كبولونبا واليونان وبلغاريا وغيرها التي جسلت أكثر من أربعة قرون جزءًا من العالم الإسلامي تحت دولة الخلافة العثمانية ها قد انتزعت هي الأخرى.
____________

زوج من الروابط نحو بضع من التدوينات حول نفس الرواية:
حوار أجرته جريدة الرياض مع كاتب الرواية، الدكتور منذر القباني:
لا أفسد عليكم قراءة القصة واكتشافها بأنفسكم، أنقل لكم اقتباس لعله يفتح لكم باب المعرفة:

هناك فئة من البشر تشكل الحقيقة لديهم حافزًا للبحث. هذه الفئة لا تريد التفسيرات السطحية أو الإجابات السريعة، بل تريد الغوض في ماهية الأمور. تشكل لديهم كلمة "لماذا؟" و "كيف؟" أسئلة تبحث عن جواب، [...].

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

رسالة لأصدقائي المدونين المغاربة الفرنكفونيين

طائر الإوز العراقي بالرسم العربي

قبل أن أسترسل في الكتابة، أحب أن أقول لكم أني منكم وإليكم. وأدري كل ما يتعلق بالمشاكل التي تواجهونها وأسباب اختياركم للغة الفرنسية للكتابة التدوينية، إذ أنا الآخر في بداياتي في التدوين والتغريد على تويتر، كان جله يتم بلغة موليير في مرحلة سابقة. بل وبلغة موليير حسُن إسلامي عن طريق مسلمي فرنسا في تويتر وتغريداتهم. ولي بضع مدونات بالفرنسية، منها ما أغلقته ومنها ما نُسيَ مع الزمن.

يذكر محمّد في تقريره عن ملتقى المدونين المغاربة الذي انعقد في مدينة الصويرة، عن بعض الأسباب أو "الشبهات" التي يتحجج بها بعض المدونين المغاربة الفرنكفونيين، عند سؤالهم عن عدم تدوينهم بلغة البلاد بدلاً من الفرنسية؟ لذا، سأغتنم الفرصة وأجابه الشبهة التي كنتُ أتخفى وراءها ثم أبيّن كيف صرعتها. :)

لماذا بدأت التدوين باللغة الفرنسية؟ لأن أول ما تابعته على الأنترنت كان هوَ المحتوى الفرنسي نظرًا لضعف المحتوى العربي أنذاك، شأني شأن أغلبية مستخدمي الأنترنت في سنوات فقاعات الأنترنت وبداية الوب .2.0 كما السبب يرجع لأسلوبي العربي الذي كان في مرحلته الجنينية بينما الأسلوب الفرنسي كان متقدمًا والفضل كل الفضل للمدرسة الإبتدائية فالإعدادية فالثانوية وقدر الاهتمام الذي كنتُ أعطيه لحصص اللغات الأجنبية، حيث اكتفشتُ أني أجد راحتي في حصص التعبير الكتابي، ومنه بدأتُ التدوين بالفرنسية. ثم، وابتداءًا من سنوات الدراسة في المرحلة الإعدادية ثم الثانوية، بدأت أستحسن اللغة العربية (رغم عدم كتابتي لأي شيء بها) بفضل بضع أستاذة يستحقون لقب الأستاذ عن جدارة واستحقاق. وإذ بي أكتشف صدفة وجود مجتمع تدويني مغربي صغير باللغة العربية يشق طريقه في الأنترنت والمشهد التدويني المغربي بعدما كانت الساحة التدوينية المغربية الـBlogoma فرنكفونية أكثر منها عربية، فقلتُ مع نفسي، "لما لا أدلي بدلوي في البحر العربي بعدما ارتويتُ من النهر الفرنكفوني؟".

في ظل تزايد اهتمامي باللغة العربية، فكّرتُ في الكتابة بها وكانت البداية في نفس المدونة التي أكتب بها باللغة الفرنسية، ثم وبنصح من الإخوة المدونين بالعربية أنشأت مدونة خاصة باللغة العربية -الماثلة أمامكم-، فأصبحت هيَ الرئيسية مع توالي الأزمان.

الأمر إلى هنا جميل، لكن كيف حسّنتُ من عربيتي بعدما كنتُ لا أُحسِن كتابة جملة مفيدة؟
الأمر سهل، شأنه شأن كل المُكتسبات الجديدة وهوَ الممارسة. إذ بعد ما يمكن أن أسميه، مرحلة الأسد النيتشوي (حسب تقسيم فريدريك نيتشه، الجمل يحمل أعباء العادات والتقاليد وهوَ في الصحراء، فيكتشف أن تلك الحمولة الزائدة تزيد من إرهاقه بلا فائدة تذكر، فيتخلص منها -يكسر القيود- ثم يصبح حرًا أسدًا وبعده طفلاً بريئًا ذي صفحة بيضاء، يعيش الحياة من جديد)، بدأت أجول الأنترنت العربية شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا أقرأ ما يكتُبه الغير من الزملاء المدونين العرب وأعلق على تدويناتهم، إلخ، لغاية الكُليمات التي نسجت جمل هذه الفقرة.

هذه التدوينة عبارة عن تلخيص بسيط لتجربتي في التدوين وتدرُّجي من اللغة الفرنسية نحو اللغة العربية، لعلّها تفتح بصيرة متردّد وتنير طريق مبتدئ.

الخميس، 12 أبريل 2012

في ضيافة شفشاون وأقشور

أولى الخطوات
 عدتُ والعود أحمد من بلاد الشّاون وأنا في اشتياق لمدينتي، سلا. عدتُ من الجبل نحوَ الساحل على متن حافلة مرت من بين العديد من المناخات، منها القاري والجاف والرطب والساحلي والبارد والحار وغيرها الكثير التي تشكل تنوعًا جميلاً لمغرب يضم كل الإختلافات ويتعايش معها بسلام.

سافرتُ مع صُحبة من بضع نفر جدد تعرفتُ عليهم أثناء السفر، وتمنيت لو دام اللقاء. توجّهنا صباح الإثنين من المحطة الطرقية لمدينة سلا نحوَ محطة وزّان الطرقية مارين من مناخ ساحلي رطب لمناخ جاف وحار أصابتني شمسهُ بدوخة أنعستني والدوار قريني أثناء وصولنا لمدينة الشّاون، المعتدلة الجو اللطيفة النسيم.

بعد اكترائنا لمأوى واستراحتنا فيه في بلاد شفشاون، خرجنا مساءً باحثين عن قوت نصل به سويعات الليل المتفرقة بين تجوال ومقهى. لا أخفي عليكم شيئًا، شفت حتى شفت ما لقيت ما حسن من زين الشّاون. أول مرة كانشوف الحليب والتمر معمّر بالڭرڭاع كا يتشمى على رجليه. :q

في اليوم الموالي ذهبنا لمنطقة أقشور قاصدين المياه والشلالات التي طالما سمعنا عنها على متن سيارة "خطّافة" من نوع هوندا، لأن ثمن سيارة الأجرة مرتفع بالنسبة للمقدار الذي نملكه من المال. عند الوصول، تشابهت علينا الطرق واتبعنا أول طريق شفناه، حتى أمضينا في الطرق الوعرة متسلقين الجبال والأحجار باحثين عن الجنّة الموعودة بدون أمل، وإذ تغرب الشمس ويحل الظلام ونحن وسط الغابة الجبلية في الليل البهيم. لا نكاد نرى بعضنا البعض لشدة الظلمة التي ينيرها القمر للُحيظات حين تنفرج السحب قبل أن يغيب من جديد.
بعد العصر، أثناء تنصيب الخيمتين.
ونحن 8 أفراد، محملين بخيمتين صغيرتين تكفيان لأربعة فقط، اتفقنا على العسّة والحراسة بالتناوب، إذ المكان موحش ولا أثر لضوء إلا نجوم السماء. اتفقنا فانقسمنا لمجموعتين من أربع أناس. المجموعة الأولى تنام في الخيمتين والثانية تُمضي في نوبة حراستها في المنطقة ثم تأتي نوبة الثانية في النوم بعد انتصاف الليل وتشد الأولى مئزرها للعسّة في البرد والهلع. لكن، وبقدرة قادر، انفجر الفجر وأشرقت الشمس ونحن أحياء صباحًا، فعدنا أدراجنا لمدينة الشّاون لنمضي يومًا آخر. يوم الوداع.

بلا بلا بلا، إلخ وها أنا أكتُب توثيق هذه الرحلة البسيطة، التي لن تهم أكثركم، لكني أنشرها هنا للذكرى. :)

غبت 4 أيام عن الحضارة وسهولة الحياة، ورأيت أناس وطباع، لكن بعقل وحضور، رغم عدم توفرهم على رفاهية الحياة. أما حين عودتي للمنزل وفتحي لحسابي على الفيسبوك لأطّلع على الجديد، تذكرتُ متلازمة الغباء المنتشرة في الأنترنت ويا ليتني ما فتحتُه.

اكتشفت أخيرًا أثناء السفر أني لستُ بمدمن للأنترنت رغم أني أستهلكها بشكل مفرط. بقدر افتقادي للأنترنت وضجري من غيابها، بقدر مستوى إدماني. لكن الغريب أني لم أفتقدها، بل نسيتها تقريبًأ باندماجي في عالم أكثر "حقيقية"، والرأي مشترك بين صحبة السفر.

أعتقد أن سبيل القضاء عن الإدمان هوَ البحث عن البديل. في المنزل لا أجد ما أفعل لذا أغرّد أو أدخل على الفيسبوك أو أسيح في المواقع بدون هدف، أما في السفر فالبديل متوفر والمكسب أغنم.

الخلاصة: العقل والتحضر لا يستلزم توفّر المرء على الأنترنت وغيرها.. الحياة هيَ أن تغلق حسابك في الفيسبوك، وتعيــــــش. :))

الاثنين، 9 أبريل 2012

رحلة لبلاد الشمال والجبال

Vista de Xauen - Gabriel Rodríguez
من فضائل السفر أنه ينقي الذهن ويصفي الفكر. يخرج الإنسان بالسفر عن منطقة الأمان والراحة، فيواجه تجارب وأشياء جديدة تفتح أفقه وتقابله مع مجموعة من الأفكار المختلفة، الشيء الذي يمنحه "الإرتياح" للاختلاف، بعد رؤيته أنه –الإختلاف- سنة كونية في مختلف الأمصار، وليس بذلك الشيء المخيف، بعد تخليه عن بعض الأفكار المسبقة أثناء السفر بعد الإكتشاف.

يبتعد الإنسان أثناء السفر عن الروتين ومسببات القلق اليومية التي نُقشت ذهنه، فيجد نفسه صافية وبيضاء من جديد، لكي تفسح المجال لتجارب وأفكار جديدة بعيدًا عن روتين الحياة اليومية، خصوصًا إن كان السفر للمناطق غير الحضرية، لغرض الإستجمام وإعادة تعبئة بطارية الطاقة النفسية والجسدية والذهنية والفكرية من جديد.


 
شفشاون يا النوارة - نعمان لحلو


ستنتصف الشمس في السماء وأنا في الشّاون غذًا. عليّ أن أكون نائمًا الآن قُبيل انجلاء الليل، لكن بائع الرمال لا يأتي أبدًا حينما نحتاجه. لكن الجميل والمميز في هذا السفر هوَ أني وأخيرًا، سأمضي في سبات رقمي وأجدد ارتباطي بمكاني الأصلي، وموطن قومي، الطبيعة ولا شيء سوى الطبيعة وبديع الجمال.

رغم أنه انقطاع عن الأنترنت وكل الوسائل المرتبطة بالشبكات لبضع أيام، لكنه يفي بالغرض، خصوصًا وأنا مستهلك كبير للأنترنت، ولا أذكر أني فارقته يومًا منذ دخوله لمنزلنا.

أتمنى أن تُصبح الأرض بمختلف أمصارها وطني يومًا ما!

السبت، 7 أبريل 2012

بداية النهاية وتعليقات هسبريس

تبدو أغلب تعليقات القراء على موقع هسبريس الإخباري، كتلك التي نجدها في صفحات الفيسبوك من طينة "أنشر ولك الأجر" وغيرها.
إن كنت متتبعًا للموقع مؤخرًا، ستكون قد لاحظت أن أصحاب "أنشرها ولك الأجر"* قد استعمروا صفحات هسبريس بعد صعود الحكومة الإسلامية في الإنتخابات المغربية.

لا أدري عن سبب تدني عامة (وليس كل) مستوى التعليقات، فلا هيَ نقد بناء ولا  هيَ نقد حرفي. بل كتلك التعليقات الفارغة التي نجدها في صفحات المراهقين في الفيسبوك. وهذا إن عكس شيئًا، فإنه يعكس مستوى القراء، وأخص بالذكر تلك الشريحة الغوغائية، على موقع هسبريس الإلكتروني.

غزالة، تبارك الله والصلا عالنبي ;)

بعدَ أن كان هسبريس إبان أولى خرجات حركة 20 فبراير وقبلها، منبر للإعلام الحر وتبادل الآراء بين مختلف الأطراف مختلفة القناعات، وملجأ لكل طالب حق، أصبح ذو لون واحد. أعتقد أن السبب هوَ شهرة هسبريس واكتسابها شعبية عن شعبوية، مما جعل كل من هبّ ودبّ يزورها ويكتب فيها وعليها. مصداقًا للقول، "إذا عمّت، هانت"، فأصبح العوام** يخوضون فيما لا يفقهون وينتجون لنا تعليقات ركيكة.

وبما أن هسبريس هيَ نجم المشهد الإعلامي الإلكتروني حاليًا في المغرب، وهيَ بتلك الشعبوية التي تؤدي إلى التعليقات الغوغائية، ستؤدي إلى موت بطيئ لها، إن لم تحاول إعادة النظر في طريقة تسييرها والشريحة التي تستهدفها. لو أنهم تركوا ملحقهم السابق، تريڭيل، لبطُلَ العجب.
_____
*أصحاب "أنشرها ولك الأجر": أناس يجولون الفيسبوك، وينشرون كل شيء مكتوب عليه العبارة السابق ذكرها ولو لم يرتبط محتواها بالدين، أو بأي أجر مزمع.
**العوام: عوام المغاربة. لا اليمينيين، ولا اليساريين.

الأربعاء، 4 أبريل 2012

قُبَيلَ انجِلاء اللّيل


لليل طاقة شاعرية، رومانسية، إنسانية وتأملية عجيبة. يعقب حركة النهار الملل، بينما سكون الليل السكينة. تجلس لساعات طوال، في ليل بهيم، متفكرًا ناظرًا في الأرض والخيال رفيقك. تجدُ نفسُكَ الرغبة في فعل ما سوَّفتَه لأيام طوال، هكذا، ودون مقدمات.
صرت أنام في النهار و أستيقظ في الليل . مثل كل الكائنات الليلية المخيفة . أحب الليل لأنه هاديء وصامت , و دائما كان الصمت يغريني بقراءة كتبي البعيدة كل البعد عن تخصصي الدراسي , و الّذي , بالمناسبة , مازلت أحمله على كتفي كما كان سيزيف الملعون يحمل صخرته الكبيرة !
-مَحْفُوظ أبِي يَعْلاَ: الليل و الكتب !

يفتح الليل بهدوءه لمجال الروح السرمدي عبر أثير عوالم الكُتب. لا أدري ما العلّة التي تحيي الكُتب في الليل، لعله وقتُ نوم الأجساد، المادة، واستيقاظ الأرواح بلهفها للكلأ، القِراءة. هُروب من العالم المادي النهاري إلى العالم الروحي الليلي. انجلاء الليل في النهار، والنهار في الليل، آخر لقاء مع العالم المادي، بعدَ برود الشمس أقضيه في شرب الشاي المغربي. عادة إنجليزية متوافقة مع الطقوس المغربية. طقس مسائي أستقبل به الليل، وعالم الروح.

تغنت العرب بالليل، وذُكِر في الأشعار والآيات والقصائد فضله وغنيمته، أكتفي ببضع من الشمال إفريقي -المغربي- منها. فهاهم ناس الغيوان، في أغنيتهم "جودي برضاك (يامنة)"، يربطون حنان المرأة وزهرتها بنور القمر الذي يجلي الظلام البهيم:
جودي بالرضى، جودي لي ... ضوي يا القمرة
صبغي ظلام ليلي ... ببهاك يا العذرا

وفي موضِع آخر من أغنية "يا بني الإنسان"، إذ ترادف الراحة ضوء نور النجوم اللطيف: 
وطلبت الليل يطول، راحتي في ضَيْ نْجُومُهْ، بغيت نبقى سهران.
ولنا في الموسيقى الأندلسية المغربية وقفة صغيرة، قُبَيلَ انجِلاء اللّيل:
أحْسَنْتَ يَا لَيْلُ فِي تَألُّفِنَا                    بِاللَّهِ يَا لَيْلُ طُلْ وَزِدْ وَزِدِ

أسَأتَ يَا صُبْحُ فِي تَفَرُّقِنَا                   بِاللَّهِ يَا صُبْحُ تُبْ وَلا تَعُدِ
حينئذٍ يحل نسيم الفجر. فأهلاً بالصبح!

نسيم الفجر ☁☁☁

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة